اخر الأخبار

آلية ملتمس الرقابة

 

آلية ملتمس الرقابة

بقلم : جدّي معاذ 

    إنّ المبدأ العام الذي تقرّه الأنظمة الديمقراطية من استقلالية السلطات الثلاث عن بعضها و الحد من نفوذ السلطة التنفيذية وتدخّلها  في توجيه عمل السلطتين التشريعية و القضائية و التأثير عليهما لا يعني أنّ هذه الأخيرة لا تخضع للرقابة على أعمالها مما يُتيح لها المجال للتعسف وفرض سياسة الأمر الواقع ، فهل اقرّ المشرّع الجزائري آلية رقابية على عمل السلطة التنفيذية كوسيلة ناجعة تنصرف إلى إقرار المسؤولية السياسية ؟ وهل تملك فعلا تلك القوة التي توحي بها نصوص الدستور في مواجهة الحكومة  ؟ 
     البرلمان الجزائري يعتمد النظام البيكاميرالي ، وهو جهاز يمثل السلطة التشريعية التي تحدد السياسة التشريعية ( وهو المفروض ) للدولة ، أقرّ المشرع الدستوري للبرلمان آلية رقابية استنبط تسميتها من المؤسس الدستوري المغربي بالضبط من دستور 1962 ، الفصل 81 منه سمّاها ملتمس الرقابة ونص عليها في دستور 1989  بالإضافة إلى أخر كالإستجواب ( 160 )  و المساءلة الشفوية أو الكتابية ( 158 ) ، لجان التحقيق ( 159 ) ، اللائحة ( 152  و المواد من 51-56 من القانون العضوي 12/16 ) غير أنها لا تفضي إلى إقرار المسؤولية السياسية للحكومة على عكس ملتمس الرقابة ( 161  و المواد من 58 – 62 من القانون العضوي سالف الذكر ) إذا استطاع النواب اجتياز عقبة الشروط و الإجراءات !! فماذا تعني هذه الآلية ؟ " ملتمس الرقابة هي عريضة يلتمس فيها نصاب مفروض دستوريا من النواب إسقاط الحكومة بسبب عدم رضائهم على التصرّفات أو السياسة التي تنتهجها الحكومة "  وهي آلية خوّلها المشرّع الدستوري للغرفة السفلى فقط دون مجلس الأمّة وهو ما يتّضح من نص المادة 161 من دستور 2020 و تُستنبط من نص المادة 111/ فقرة 5 و 6 ، إذا فقد أقرّ المشرع الدستوري آلية لإزاحة الحكومة في حال فشلها في تنفيذ سياستها أو أساءت تطبيق القانون ولكن ما مدى فعالية هذه الآلية في مواجهة الحكومة و إسقاطها ؟

 فعالية ملتمس الرقابة 

      من خلال ما سيأتي سيتم توضيح فكرتين وهما 
- فكرة قدرته فعليا على إسقاط الحكومة ؟ 
- و هل البرلمان قادر على إحداث تغيير على مستوى التسيير المؤسساتي للدولة ؟ 
   اعتمادا على نصوص الدستور و مواد القانون العضوي 12/16 الذي يحدد تنظيم البرلمان بغرفتيه نجد أنّ المشرع قد ربط ملتمس الرقابة بحالتين فقط حسب المادة 161/1 من الدستور وهما حالة استجواب الحكومة و في حالة تقديم الوزير الأول سنويا لبيان السياسة العامة وهذا الأخير أمر وجوبي حسب نص المادة 111/1 من دستور 2020 و المادة 54 من القانون 12/16 أمام الغرفة السفلى و جوازي أمام الغرفة العليا حسب نص المادة 111/8 من نفس الدستور و المادة 57 من القانون 12/16 ، هذا الأمر لا يتم أي – إزاحة الحكومة – فقط عند عدم رضا النواب على ما جاء في بيان السياسة العامة أو عند استجواب الحكومة وإنّما تسبقه إجراءات لتنفذ إلى إسقاط الثقة عن الحكومة و إزاحتها .

 1. أوّلا إشتراط النصاب   

       بمعنى أنّ العريضة التي يوقعها النواب لتفعيل آلية ملتمس الرقابة ويتم بذلك إيداعها على مستوى مكتب الغرفة السفلى تستوجب (1/7 ) النوّاب على الأقل ( المادة 161/2 من الدستور و المادة 58 من القانون 12/16 ) اي بالتوضيح العددي وبعد تخفيض عبد المجيد تبون عدد المقاعد من 465 إلى 407 سيكون النصاب 58 نائبا مع شرط مُقيّد آخر جاء به نص المادة 59 من القانون العضوي 12/16 وهو أنّ للنائب فقط التوقيع على ملتمس رقابة واحد ، الملاحظ على هذا النصاب خروجه عن قدرة الأحزاب المعارضة التي قد تجد في ملتمس الرقابة سبيلا لإسقاط الحكومة في ظل التركيبة السياسية للبرلمان و التي تتفوق فيها أحزاب الموالاة و على رأسها الأفلان و الأرندي بمعنى أنّها الوحيدة القادرة على جمع نصاب ملتمس الرقابة , ولكنها من الموالاة !! وفي الغالب تكون مؤيدة للنظام بالإضافة إلى هاجس آخر قد يُعرقل بلوغ النّصاب وهو تعدد ملتمس الرقابة !! جيّد إذا يُمكن القول أنّه من الصعب بلوغ نصاب تفعيل ملتمس الرقابة في ظل التوزيع السياسي الحالي للبرلمان ( ولن تكون أي مفاجأة في توزيع الكتل في ظل انتخابات 2021 ) ، هذا بالنسبة للأحزاب أمّا قوائم الأحرار فتسقط تماما من أي معادلة سياسية قد تصل بها إلى إزاحة الحكومة .

     ما يُمكننا القول هو أنّ " لجنة لعرابة " بالغت في حذوها حذو الدستور السابق بإقرار هذه النسبة ما يُشكل عائقا فعليا أمام آلية ملتمس الرقابة .

2. مرحلة ما قبل التصويت 

     وهي مدة تقدر ب 03 أيام تُحسب ابتداءا من إيداع ملتمس الرقابة ، وهي مدة كافية لاستمالة ثلث نواب البرلمان وعرقلة بلوغ نصاب التصويت باستعمال الحكومة كافة وسائل الإغراء المتاحة لديها للنواب إضافة إلى امتيازاتهم الظاهرة كنواب ولها في ذلك أساليبها السياسية و المالية ... إلخ 

3. نصاب التصويت 

      على فرض أنّ نواب المعارضة نجحوا في تخطّي عتبة ( 1/7 ) أعضاء البرلمان كنصاب لتفعيل ملتمس الرقابة و تمّت المناقشة حسب نص المادة 61 من القانون العضوي 12/16 سيصطدم نواب ملتمس الرقابة بعائق فعلي لا يُمكن تجاوزه في ظل الظروف الحالية وهو عائق التصويت بأغلبية ثلثي النواب (2/3 ) اي 271 نائبا وهو نصاب تعجز عنه أحزاب السلطة فما بالك بالمعارضة ، أما القوائم الحرة فيتم استثناءها أصلا لأنّها وإن اجتمعت – وهذا مستبعد – فقوة تأثيرها تتلاشى أمام تيار المصالح الضيّقة و تزاحم أحزاب الأغلبية مع قلة تمثيلها النيابي ، كما ولا ننسى  سعي الحكومة والرئيس ومن يقف خلفه إلى إفشال مبادرة النواب ذلك لما لها من أثر سلبي على الطرفين خاصة مع أزمة الثقة الحالية في السلطة فمن مصلحة السلطة و النّظام ككل عدم تفاقمها ، فنجاحها يعني ضرب خيارات الرئيس وهيبته واهتزاز مكانة الوزير الأوّل ( طبعا هذا وفق المنظور القائم والذي لا يتوافق تماما مع النهج الديمقراطي ) ، وبالتالي " فلجنة لعرابة " بإبقائها على نصاب الثلثين تُدرك جيّدا أنّه مُحبط منذ البداية و يدفع بأغلبية الظن إلى رفض ملتمس الرقابة حتى دون المُضي فيه ممّا يجعل الحكومة في منأى عن إقرار المسؤولية السياسية وهي بذلك وكأنّها تصنع هالة من الصّد حول الحكومة ، ولهذا دوما أقول أنّ أحزاب الأفلان و الأرندي و غيرها من الموالاة لا يُمكن للسلطة استبعادها من قوام المعادلة السياسية ما لم تُعلن تمرّدها لأنّها تُشكّل جدارا لإفشال أي مبادرة فعلية نحو تأسيس المسؤولية السياسية للحكومة.

4. الأثر المترتب على ملتمس الرقابة 

     إذا صادقت الغرفة السفلى على ملتمس الرقابة ، يُقدّم الوزير الأوّل استقالة الحكومة إلى رئيس الجمهورية    ( مسؤولية تضامنية ) ، ما يعني أنّ ملتمس الرقابة يحمل طابع الجزاء السياسي الذي ينصبّ على الحكومة نتيجة فشل سياساتها أو تصرّفاتها  ، ولكن السؤال هنا هل سيقبل الرئيس استقالة الحكومة أم لا فالدستور لم يُوضّح ، خاصة أنّنا قلنا أنّها تعتبر إسقاطا لخيارات الرئيس قبل كل شيء  فقد ينقلب السحر على الساحر و يتم تفعيل المادة 151 من الدستور ويُقرّر حل المجلس الوطني الشعبي ؟ 

الآن : هل يملك المجلس الوطني الشعبي القدرة الفعلية لإسقاط الحكومة 

     وهي الفكرة الأولى التي فتحت باب الموضوع ، فعليا و في ظل ما ذكرنا مستبعد جدّا إن لم نقل مستحيل فالمجلس الوطني الشعبي بعيد كل البعد عن فكرة القدرة على اسقاط الحكومة أمّا نظريا ويبقى حبرا على ورق الدستور فنعم يُمكن للغرفة السفلى إسقاط الحكومة ولعلّ هذه من بين النقاط التي كان يجب ان تُعدّل لنجعل للبرلمان قدرة فعليه على إزاحة الحكومة لفشلها في تسيير مؤسسات الدولة .

هل البرلمان قادر على إحداث تغيير على مستوى التسيير المؤسساتي للدولة وحياة العامة ؟

     وهي الفكرة الثانية للموضوع ، على المستوى الفردي الضيّق بتدخّل النواب لصالح حالات فردية عن طريق ما يُعرف بالتوصية أو التوسّط ممكن ، ولكنّها كما قلنا ضيّقة لا تُفضي لمعنى الشمولية و توفير خيارات التغيير و تحسين الأداء المؤسساتي لأنّ البرلمان يفتقر لآليات الرقابة الفعلية الناجعة و لعلّ أقواها هو ملتمس الرقابة و قد فصّلنا فيه فرأينا أنّه يخضع لإجراءات تقريبا تعجيزية ، ستضع النائب فقط أمام القبول بخيار الإمتيازات دون المجازفة بمستقبله خاصة وأنّ بلوغه البرلمان كان بهدف التقرّب من دوائر صنع القرار و الإستفادة من مزاياها أكثر ( بالطبع الأغلبية على هذا الطريق ) كما ولن يُجازف باستعجال حلّ البرلمان لو أغضب الرئيس .
     البرلمان الجزائري مؤسسة هشّة تفتقد لجملة الآليات النموذجية و الفعلية التي تجعل منه مؤسسة خلاّقة ، باعثة للتغيير ناهيك عن جملة المزايا التي يتمتع بها البرلماني و التي تجعله بموضع اختيار بينها و بين فقدانها نتيجة مناطحة الحكومة ، بالإضافة إلى رعاية السلطة لأحزاب تستعملها كواجهة صد ضد من يقترب من حدود المساس بها و ممرا للقوانين و سياساتها وهو عامل فعلي جعل البرلمان مؤسسة مستهلَكة لا تصلح لأن تكون مؤسسة تشريعية بالإضافة إلى سعي النواب إلى اغتنام الفرصة بالإقتراب من السلطة لزيادة حظوظهم في الحصول على مناصب سامية أو حقائب وزارية ممّا يجعل العملية عكسية فبدل أن يضع النائب السلطة تحت الضغط لتحسين ظروف الحياة العامة تجعله هي تحت الضغط عن طريق الإيحاء بأنّ منصبه إن التزم الصمت ووافق يؤهله للفوز بأحد المزايا التي توفرها السلطة ، يعني بلوغ البرلمان بالنسبة للنائب هو باب لبلوغ مناصب أخرى أمّا شعارات بناء الجزائر الجديدة و تحقيق العدالة الإجتماعية و تحسين الظروف العامة و توفير مناخ أوسع للحريات وانتخبونا لنريكم آياتنا !!  فأضغاث أحلام كانوا يروونها لضعاف الناس و ناقصي العقول  ، فهل استطاع البرلمان ومنذ إدراج هذه الآلية إسقاط الحكومة رغم فشلها في كثير من المحطّات ؟  

لتحميل المقال بصيغة PDF مباشرة من هنا 

ليست هناك تعليقات